أعلنت الحكومة رفع سعر أسطوانة الغاز من 260 ليرة سورية (4.52 دولار أميركي) إلى 400 (6.96 دولار)، يُضاف إليها ما يتراوح بين 25 و 50 ليرة سورية لقاء خدمة الموزعين. وجاء هذا الارتفاع على أسعار مادة الغاز
في الظروف الاستثنائية التي يعيشها المواطن السوري البسيط، غدا الحصول
على مادة المازوت أو اسطوانة الغاز مصدرا للفرح والراحة، ومع تطورات الموقف السياسي
في البلاد لا يبدو أن حال القلق المسيطرة سوف تتبدد قريبا. "أنباء موسكو"
سعت من خلال تحقيق ميداني إلى الابتعاد عن ضجيج السياسية وتسليط الضوء على جانب من
حياة ومعاناة المواطن السوري البسيط.
شعر المواطنون السوريون بارتياح غير مسبوق خلال الأسبوع الذي سبق يوم
20 من شهر كانون الثاني (يناير) 2012، حين أصبح الغاز متوفرا طوال الأسبوع، ولم يعد
اقتناء أسطوانة غاز للاستخدام المنزلي يتطلب الانتظار لساعات وربما أيام، في طوابير
تمتد لمئات الأمتار وربما أكثر، إلا أن هذا الارتياح سرعان ما تبدد ليحل القلق من جديد،
حين أعلنت الحكومة رفع سعر أسطوانة الغاز من 260 ليرة سورية (4.52 دولار أميركي) إلى
400 (6.96 دولار)، يُضاف إليها ما يتراوح بين 25 و 50 ليرة سورية لقاء خدمة الموزعين.
وجاء هذا الارتفاع على أسعار مادة الغاز في وقت بلغ فيه سعر صرف الدولار الأميركي مستويات
خيالية في تاريخ الليرة السورية التي أصبحت كل 75 منها تساوي دولاراً أميركياً واحداً،
الأمر الذي زاد من هم المواطن وقلقه من أن يؤدي هذا الهبوط بسعر صرف الليرة إلى ارتفاع
سريع لأسعار المواد الغذائية بشكل عام، ما يعني عبء جديد فوق كل الأعباء على كاهل المواطن
البسيط.
معاناة المواطن مع الغاز ربما تكون الأقل وطأة مقارنة بالمعاناة التي
يعيشها جراء بحثه عن مادة المازوت، الوقود الرئيسي الذي يستخدمه ليمنح الدفء لأسرته
في فصل الشتاء، الذي شهدت سورية منذ بدايته هذا العام أزمة نقص في مادة المازوت، يبررها
البعض إلى خلل في نظام التوزيع الجديد المعتمد، والبعض الآخر إلى مجموعة عوامل على
صلة بالأزمة السياسية في البلاد منذ منتصف آذار (مارس) الماضي. أما على مستوى المواطنين
البسطاء فقد شرح أحدهم أن نظام التوزيع الحالي في ريف دمشق، يقتضي من المواطن أن يسجل
طلباً على مادة المازوت في محطة وقود مركزية لتوزيع الوقود في الريف، ومن ثم عليه أن
ينتظر حتى يصله الدور، وقد تطول مدة الانتظار
من أسبوع إلى ما يزيد عن الشهر، يبقى المواطن خلالها دون مازوت يحميه وأسرته من برد
الشتاء، فيلجأ إلى البدائل مثل التدفئة بواسطة الكهرباء أو الغاز.
محاولة استبدال المازوت بمصادر طاقة أخرى من أجل التدفئة، خلقت أزمة جديدة
في مجال الطاقة الكهربائية، وتبنت الجهات المعنية سياسة تقنين، بحيث وصلت ساعات بقاء
بعض المناطق دون كهرباء إلى ست ساعات يومياً، الأمر الذي دفع المواطنين إلى توزيع استخدامهم
لما هو متوفر بين أيديهم من حوامل طاقة، حسب جدول معين يرتبط بمواعيد انقطاع التيار
الكهربائي وساعات توفر مادة المازوت في محطات الوقود، مع الحرص على عدم إهدار الغاز
للتدفئة، والحفاظ عليه للاستخدامات المنزلية الرئيسية مثل الطهو. وبهذا أدخلت احتياجات
الأسرة بمختلف أشكال الطاقة ما يمكن وصفه بالنظام الجديد على الحياة اليومية، ما بين
انتظار على طابور المازوت، وترقب للأخبار حول وصول سيارة تبديل أسطوانات الغاز، والاستعدادات
لانقطاع التيار الكهربائي.
الحق يُقال إن معاناة البسطاء من المواطنين الناجمة عن عدم توفر، أو نقص،
ما يحتاجونه لحياة طبيعية من مختلف أشكال حوامل الطاقة، قد شهدت انفراجاً في الآونة
الأخيرة، إلا أن هذا لم يغير حقيقة أن المواطن قد تحول إلى أسير لهواجس ومخاوف ترافقه
كل لحظة في يومه، وتسهم في رسم جدول أعماله اليومية على اختلافها، والسبب في بقاء هذه
الهواجس يعود إلى شائعات من هنا وهناك، حول ارتفاع متوقع على سعر ليتر المازوت بعد
رفع سعر الغاز، والبنزين قبله، الأمر الذي دفع بذوي الدخل المحدود إلى اقتناء غالونات
جديدة، كي يملؤها بالقدر الذي تسمح لهم ظروفهم المادية باقتنائه من المازوت. إذ أن
التعقيدات الحالية تضرب بالدرجة الأولى بهذه الطبقة من المواطنين، الذين لا يعرفون
ما معنى وجود خزان كبير للمازوت، ولا يملكون إمكانيات مالية لشراء كميات كبيرة وعلى
الفور من هذه المادة.
أم رند واحدة من هؤلاء وهي ربة منزل وجدت أن طابور النساء خلال توفر المازوت
في المحطات غالباً ما تتم خدمته بصورة أسرع من طابور الرجال الواقفين أمام غالوناتهم
العطشى للمازوت، والممتدة على طول الطريق بعيداً عن المحطة. اعتادت أم رند أن تترقب
يومياً وصول كميات جديدة من المازوت إلى المحطة الأقرب إلى منزلها، فتحمل غالونها الصغير
الذي يتسع لعشرين ليتراً، وتركض في أي ساعة من الليل أو النهار يصل فيها المازوت، لتقف
في طابور نساء أخريات، يماصلنها حالاً، وربما أسوأ، ليحملن القليل من هذا السائل السحري
إلى بيوتهن. تقول أم رند إنها لا تملك قدرة على شراء كمية كبيرة على الفور، فدخل زوجها
بالكاد يغطي أجرة السكن ونفقات طفلتين ما زالتا في المرحلة الابتدائية من التعليم،
وتؤكد بأن شراء كمية قليلة من المازوت خيار أفضل بالنسبة لها، بعد أن جاءت فاتورة الكهرباء
عن الشهرين الماضيين بمبلغ كبير نظراً لاعتمادها بصورة رئيسية على التدفئة الكهربائية،
لذلك ترى في الانتظار على طوابير المازوت، خياراً أفضل من فاتورة كهرباء مرعبة لا تدري
كيف تسدد قيمتها.
لقد اعتادت هذه السيدة، كما اعتاد كثيرون على التزود بالمازوت يومياً،
أو مرة واحدة بكميات قليلة خلال كل يومين أو ثلاثة، وبما يتناسب مع دخل الأسرة، وذلك
من باعة المازوت المتجولين على "الطنابر" (خزان على عربة يجرها حصان). لكن
مع حصر بيع مادة المازوت بالمحطات المفوضة، وحظر باعة المازوت المتجولين بهدف الحيلولة
دون استغلالهم للمواطن وتلاعبهم بالأسعار، بدأت معاناة أسر كثيرة، لأن المحطات المفوضة
والموزعين المعتمدين فيها لا يبيعون كميات قليلة، ولا يقبلون بيع كمية تساوي غالون
أو (تنكة مازوت) كما هو متعارف لدى العامة -جرت العادة أن يشتري ذوي الدخل المحدود
"تنكة" مازوت واحدة كي يومين أو ثلاثة بكمية 20 ليترا-. لهذا يبقى الخيار
الأفضل لهؤلاء بالوقوف في طوابير الانتظار يداعبون غالوناتهم على الحدود مع محطات الوقود.
نقص كميات المازوت في الأسواق ترك آثاراً سلبية جمة على حياة البسطاء،
ولم يقتصر الأمر على مستوى احتياجات الأسرة للتدفئة، بل وأثر على دخل أسر كثيرة تجني
رزقها من عمل رب الأسرة سائقاً على سيارة أجرة تعرف باسم "سرفيس". الساعات
الطويلة التي يقضيها السائق على أمل أن يتزود بالوقود ليتمكن من ممارسة عمله، تذهب
من ساعات هذا العمل، فالأمر مرهون بوقت توفر هذه المادة، ولم يعد بوسع السائق -كما
جرت العادة سابقا-ً، أن يحصل على ما يريده لعربته من وقود في أي وقت شاء، وغالباً ما
يقف كثيرون لساعات طويلة من يوم عملهم بانتظار التزود بالمازوت. وفي النهاية ينعكس
هذا سلباً على دخلهم اليومي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أكثر من سائق يعمل على كل
"سرفيس"، وكل سائق يعيل أسرة من عمله، ومن الطبيعي أن ينعكس تراجع حجم دخله
على حياة أسرته.
يبدو أن ما كان في البداية غير مألوف للمواطن السوري البسيط، أصبح اليوم
أمراً اعتياديا، والذهول لم يعد يسيطر عليهم لسماع عبارة مثل "الطابور يمتد كيلو
مترين"، وكأن حالة من التكيف أو التأقلم قد جرت خلال هذه الفترة، وما يخشاه كثيرون
الآن أن يؤدي تعويم الليرة السورية إلى ارتفاع مفاجئ على المواد الغذائية الرئيسية،
كما على مادة المازوت التي غدت عصب حياة رئيسي للمواطن في فصل الشتاء، وهناك من يقول:
"سنتخلص قريباً من موضوع المازوت، فالربيع قادم وبعده الصيف"، لكن كيف سيكون
الوضع إن ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وكل الأسعار بشكل عام؟
"أنباء موسكو"
2012-1-23